جلس أحمد بن طولون يومـاً في بعض بساتينه، وأحضر الطعام ومن يؤاكله من خاصته.فرأى من بعيد سائلاً في ثوب خـَلـَق، وحال سيئة،وهو جالس يتأمل البستان ومن فيه.فأخذ ابن طولون رغيفـاً، فجعل عليه دجاجة وشواء لحم وقطع فالوذج كبيرة، وغطـّاهبرغيف آخر، ودفعه إلى بعض غلمانه وقال له: امض إلى هذا السائل فسلـّمه إياه. وأقبل يراقبالغلامَ في تسليمه الرغيف وما يكون من الرجل. فلم يزل يتأمل السائلساعة، ثم أمر بإحضاره. فلما مـَثـَل بين يديه كلـّمه فأحسن الجواب ولم يضطرب منهيبته. فقال له ابن طولون: هات الرسائل التي معك. فاعترف له الرجل بأنهجاسوس، وأنالكتب معه ما أوصلها ليدبـّر أمره في إيصالها، فوكل به حتى مضى وأُحضرتالكتب. فقال أحدُ الخاصة لابن طولون: أيها الأمير، إن لم يكن هذاوَحـْيـاًفهو سحر. فقال: لا والله يا هذا، ما هو وحي ولا سحر، ولكنه قياس صحيح. رأيتُهذا الرجل علىما هو عليه من سوء الحال فأشفقتُ عليه،وعلمتُ أن مثله لا يصل إلىمثل ما بينأيدينا من الطعام. فأردتُ أن أسـُرّه بما أرسلتـُه إليه، فما هشّ له ولامدّ يدا إليه. فنفر قلبي منه وقلت: "هذا عينه ملأى وفي غنى عن هذا. هو جاسوسلاشك فيه". فأحضرته أحادثه، فازدادإنكاري لأمره لقوّة قلبه واجتماع لبـّه، وأنه ليسعليه من شواهد الفقر ما يدلعلى فقره. من كتاب "سيرة أحمد بن طولون" للبـَلـَوي.